Accéder au contenu principal

قاسم أمين تحرير المرأة”

يشهد التاريخ الإنساني بأنّ المرأة، في الكثير من مراحل هذا التاريخ، قد تعرّضت لظلم بيّن من قبل الرجل الذي دأب على حصرها في دائرة ضيقة لا تتجاوز تبعيتها ومن ثم خدمتها له.
كما يشهد أيضاً هذا التاريخ قيام بعض الرجال بالسباحة ضد هذا التيار الجارف، ومحاولتهم الدفاع عن المرأة وردّ، ولو جزء يسير من حقوقها المهدرة كي تتمكن من مواصلة دورها الحضاري الذي تم طمسه بفعل فاعل لا قلب له ولا رحمة.
في هذا الصدد يورد قاسم أمين عدداً من آراء المفكرين الغربيين الذين انتصروا للمرأة في كتابه “المرأة الجديدة” على النحو التالي: قال سيملس “للمرأة في تهذيب النوع الإنساني أكثر ممّا لأيّ أستاذ فيه، وعندي منزلة الرجل في النوع منزلة المخ من البدن ومنزلة المرأة منه منزلة القلب”، وقال شيلر “كلما وجد رجل وصل بعمله إلى غايات المجد وجدت بجانبه امرأة محبوبة”، وقال روسو “يكون الرجال كما تريد النساء، فإذا أرادت أن تجعل الرجل من ذوي الهمة والفضيلة فعلّم النساء الهمة والفضيلة”، وقال فنلون “إن الواجبات التي تطالب بها النساء هي أساس الحياة الإنسانية…”، وقال لامارتين “إذا قرأت المرأة كتاباً فكأنما قرأ زوجها وأولادها؟”. (قاسم أمين، المرأة الجديدة، القاهرة: مطبعة الشعب، 1911، ص ص123 -124).
وإذا كان جون ستيوارت ميل هو أول من قدم دراسة تنتصر لحرية المرأة وتتجاوز مجرد الآراء المتشذرة التي يوردها الفلاسفة هنا أو هناك، ربما لحفظ ماء الفكر في زمن لم يعد من اللائق به التفكير ضد الحريات عموماً وحرية المرأة بنحو خاص، فإن أبرز المحاولات العربية في هذا السياق إنما قد جاءت على يدي المفكر ورجل القانون قاسم أمين في بداية القرن الماضي من خلال كتابيه الشهيرين “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”، واللذين يؤرخ بهما لبداية عصر جديد للمرأة يفصلها عن تاريخ طويل من العبودية سادت فيه النزعة الذكورية في كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية. كما جاءت المحاولة الأكثر معاصرة في بداية الألفية الثانية على يدي المفكر العربي إمام عبدالفتاح إمام من خلال مشروع فلسفي يضم أربعة كتب حتى الآن هي علي الترتيب: “أفلاطون والمرأة” و”أرسطو والمرأة” و”الفيلسوف المسيحي والمرأة” و”نساء فلاسفة”. (وقد وعد في نهاية كتابه “نساء فلاسفة” بتقديم كتاب يتضمن نساء فلاسفة من العصر الحديث). هذا بالإضافة إلى آرائه حول المرأة التي أوردها في عدد من المقالات ضمن مقالات أخرى تم جمعها في كتاب “أفكار ومواقف”.
والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا أقدم إمام عبدالفتاح على تقديم هذا المشروع بعد مرور قرن من الزمان على كتابي قاسم أمين؟
الإجابة لا تخرج عن أحد احتمالين: إما أن إمام عبدالفتاح قد رأى أن المرأة العربية لم تزل تعاني من إهدار لحقوقها وكبت لحرياتها رغم مرور هذه السنين الطويلة. وإما أنه وجد في محاولة قاسم أمين قصوراً ما، فعمل على استكمال هذا القصور حتى يكتمل بذلك المشروع الفكري العربي، الملقى على عاتقه مهمة تحرير المرأة العربية، خاصة في ظل المستجدات التي طرأت على الساحة ولم تكن موجودة في عصر قاسم أمين.
وعلى أيّ الأحوال لا يحاول هذا البحث القصير أن يجيب على هذا التساؤل، وإنما يحاول أن يبرز الكيفية التي عالج بها كل من قاسم أمين وإمام عبدالفتاح إشكاليات المرأة في المجتمع، فهو بحث فلسفي في المقام الأول يعنى بالمناهج والنظريات أكثر مما يعنى بالمضامين التي تحملها هذه المناهج وتلك النظريات. كما أنه يترك للقارئ مساحة للتفسير والتأويل، ومن ثم صياغة الإجابة التي يراها. 
قد تتقارب الغايات وتتشابه الوسائل، لكن النظرة المدققة تكشف لنا عن اختلافات جذرية بين ما قدمه قاسم أمين وإمام عبدالفتاح في مقاربتهما لموضوع المرأة.
وإذا عدنا إلى المقدمات التي وضعها المفكران لمؤلفاتهما لأمكننا أن نضع أيدينا على قدر معقول من هذه الاختلافات. فقاسم أمين يحدد هدفه من كتابه “تحرير المرأة” بأنه هدف إصلاح اجتماعي، فيقول “إني أدعو كل محب للحقيقة أن يبحث معي في حالة النساء المصريات، وأنا على يقين من أن يصل وحدة إلي النتيجة التي وصلت إليها، وهي ضرورة الإصلاح فيها” (قاسم أمين، تحرير المرأة، القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2012، ص9).
ويأتي هذا الإصلاح ضمن حاجة إلي إصلاح أشمل ينال الأمة بأسرها “لا أظن أنه يوجد واحد من المصريين المتعلمين يشك في أن أمته في احتياج شديد إلى إصلاح شأنها” (المرجع السابق، ص8).
ويحدثنا قاسم أمين في أكثر من موضع عن حاجة الأمة للإصلاح والوسائل المؤدية إليه، وكيف أنها شعور داخلي يدفع الإنسان إلى التعبير عن كل فكرة تطرأ على ذهنه لتخرج إلى النور وتسهم في تقدم الأمة.
والحقيقة أن شعور قاسم أمين بحاجة الأمة عامة للإصلاح وحاجة المرأة بنحو خاص للإصلاح، إنما يأتي كنتيجة طبيعية لانخراطه في الحياة اليومية والاجتماعية لهذه الأمة. فقاسم أمين- بهذه المثابة- يبدو كمصلح اجتماعي. يفكر من داخل المشكلة الاجتماعية وبوحي من أزماتها، لا كمجرد منظّر يتأمل الظاهرة ويعالجها من الخارج على نحو ما سنرى في مقاربة إمام عبدالفتاح. وليس أدل على ذلك من قول قاسم أمين نفسه “إني أكتب هذه السطور وذهني مفعم بالحوادث التي وردت على بالتجربة، وأخذت بمجامع خواطري” (المرجع السابق، ص22).
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الخلفية الفكرية لقاسم أمين، والتي أسهم في تشكيلها عمله بالقضاء وبالقانون، الأمر الذي جعله قريباً من المشكلات الاجتماعية التي كانت تعاني منها الأمة المصرية في ذلك الوقت، وهي نفس العوامل التي سوف تمكّنه من إيجاد الحلول القانونية لهذه المشاكل. وعلى ذلك فلا يستغرب أن نعثر لديه على مباحث من قبيل “الزواج” و”الطلاق” و”تعدد الزوجات” و”الحجاب”.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

وكانت جواري عمر في دار الخلافة عاريات !

من هي المرأة الديوثة

الرجلة عند الانوش المدعوش الجزائري