لستُ مذنبة أنني ولدتُ هكذا، وسأبقى هكذا.

لستُ مذنبة أنني ولدتُ بنزعة الاستقلالية، اتخاذ القرارات والحكم الذاتي، ينمو معي شعور عدم الحاجة لأحدهم كي يرسم لي طريقًا لأمشي عليه، لا أحد أطيعه، أو أقول له: نعم ... حاضرة، دون مناقشة، لستُ مذنبة أنني أعيش في مجتمعِ يعلّم بناته الخنوع والطاعة وإلغاء الذات ويقنعنهن أنه جزءٌ من الدين، 
ليس ذنبي أن آخر همي أن أرضي أحدهم، وأقنع ذكورته المتضخّمة أنهٌ رجلٌ، رجلٌ لا يقتنع بكلمة "لا" من امرأة، لستُ مذنبة أنني لا أقتنع بطريقة الحب التي يفرضها، ليس ذنبي أني أرى الحب بطريقة أبسط وأسهل، ويتساوى فيه الحقوق والواجبات بين الطرفين، وخطأ الرجل مساوٍ لخطأ المرأة، وليس مهملاً أمامها، حلالٌ مباحٌ مستورٌ، لستُ مذنبة أن يراه الرجل بنزعته الذكورية في شرقنا أنه خنوعٌ وطاعةٌ مطلقة، وليس ذنبي أنني قد أؤمن بحبٍّ قصير المدى بحقيقةٍ خالصة، شفّافٍ وبنفسجي، وأرفض علاقة تحكمها مجرّد ورقة ولا تحمل أي شيء من الحب في أغلبِ الأحيان، ليس ذنبي أنني ألغي قانون السنّ الذي يفرضه المجتمع وأنني أؤمن أن العمر الحقيقي هو عمر الفرح، والإنجاز وما عدا ذلك هو محاولة لإيجاد الذات وتحقيقها، وليس ذنبي أنني أفكّرُ أن الدراسة والعمل والاستقلالية طريقة أكثر أمانًا وضمانًا لبقية العمر، أكثر من رجلٍ، وأنني أخبر الآخرين أن يسألوا عن عملي وراتبي أحسن من السؤال: "متى نفرح بك؟"، صدقوني سأكون أكثر فرحًا بأمور عدةٍ أكثر مما تتوقعوه فرحًا أعظم لي، من قال أن فرحكم يعني سعادتي القصوى، وأقصى ما أتمناه؟
لستُ مذنبة أنني أؤمن بفكرة وأعيشها أمام نفسي كما أمام الآخرين، مهما سبب ذلك من ألمٍ وحزنٍ وفقدان، على العيش بفكرتين متناقضتين، ولستُ مذنبة في اعتبار مصارحة الذات والتكيف مع ما تؤمن به يحقق سعادة أكثر من محاولةِ إرضاء الطرفِ الآخر، "والمضي بجرارٍ على ذواتنا".
لستُ مذنبة أنني في مجتمع يقيّم المرأة بالسنّ الذي تزوجت فيه، إن تزوجت أو لاً، كم طفلاً أنجبت، ذكرًا أم أنثى، كم مرة تنظّف المنزل، ما مستوى إتقانها لوصفات الطبخ، وإن عملت وحقّقت ذاتها، يعتبر ذلك أمرًا ثانويًا وغير مهمٍ، ولستُ مذنبة أنني ممتلئة بفكرتي حتى النخاع، ولا أملك قابليةً للتنازل عن مبدأ من مبادئي لإرضاء ذكورة أحدهم المزعومة، أو إرضاء مجتمعٍ بأكمله، ينتظر تحوّل حالتكِ الاجتماعية ليصفق لكِ أنكِ ناجحة، أو ينتظر منك ذلك ليكشف عن أخلاقكِ وشرفكِ في ذلك، لستُ مجبرة للتنازل عن أي شيء مجرد الحصول على صك الأخلاقية والرضا والطاعة مقابل حريتي، حريتي التي صنعتُها، والأهم خلقتُ بها من الله.
ختمُ الأخلاق والطهارة والشرف هذا، يمكنكم نقعه في الخلّ ودهن أطرافكم به كل صباحٍ وأنتم ترون نموذجًا مميزًا ممّن ينتهجنَ فكرتهن.
لستُ مجبرة أن أتنازل عن كلِ هذا، مقابل رجلٍ سيوفّر لي بيتًا جميلاً أو سيارة أو خروجة وسفرة، والأنكى أن لا يوفّر ذلك بل يوفر جملة واحدة (ظل راجل ولا ظل حيطة)، بينما أعيش تحت جناحه، آمرًا ناهٍ، ربٌ صغيرٌ لعالم بشعٍ ومتوحشٍ، من الممكن أن أوفر ذلك دون حاجته، أو لنقل لا أملك نفس المال الذي يغرق فيه ويعتقدُ أنه يسبب ذوبانًا نسائيًا فيه، لستُ مذنبة أنني أزِن ميزانَ حريتي وفكرتي بكلِ هذا المال الذي لا يساوي جناح بعّوضةٍ مقابل أن أكون سيدة نفسي، سيدة قراري وحياتي، أو مقابل أن أكون فقط "لستُ وحيدة"، وأعطي المجتمع ألف طريقة ليرضى عني ويباركني، بينما الوحدة الحقيقية أن لا أجد من يتقاسم معي مخاوفي وفرحي بما أحبه من إنجازاتٍ صغرى وأهدافٍ أكبر بقليل، والأخذ بكفّي نحوه، لستُ مجبرة لسماعِ كل الذين سيقولون كانت لتكون (ملكة، مستورة وفي رخاءٍ أعظم)، أنا لا أنتظر أن أكون ملكة ماديًا، إنني أبحث عن الكون ملكة في فكرتي ومشاركتها مع من يستحق، أن أكون في رخاءِ ذاتي وحقيقتي، وكوني سأقضي عمرًا وحدي فهذا بالطبع لن يكون فضيحة إلا في ذهن مجتمعٍ متخلفٍ، أنا لستُ فضيحة لأنتظر أحدًا يسترني، أو عورةٍ أنتظر أحدًا يبني حولي جدارًا لتغطيتها، أنا فقط امرأة.
لستُ مذنبة أنني مهتمة وكثيراتٌ غيري، بما لا يودّه الآخرون لنا في كتابهم المقدس عن اهتمامات امرأة "مطيعة، خلوقة وصالحة" تبني بيتًا صلبًا، حسب معاييرهم، لستُ مذنبة في نظرتهم لنا، وأننا نليقُ صديقاتٍ، صاحباتٍ، وليس حبيباتٍ، أو حبيبات لسْنَ قابلاتٍ للارتباط، لستُ مذنبة أيضا لأنني لا أؤمن بعروض الأجساد في المحافل، ولا عروض الأزياء الباهضة التي تقيّمني، عزيزتي وحده عقلكِ ومعرفتك تقيّمك، ولا عروض مواهب الطبخ والرقص للظفر برجلٍ يكون في أحسنِ الأحوال مُلتَهٍ بأخرى أو بأمور حياته بينما تبحث أمه عن شريكة لبقية عمره، عزيزتي هل مقتنعة بنجاعة هذه الطريقة؟، ببساطة الرجل الذي يبحث عن شريكة لا يبعث بأمه أو قريبته، بل يبحث حوله، والبحث أيضا ليس مُجدٍ، الحب للصدف والارتباطات أقدار، من يحبكِ لا يرى فيك جسدكِ بل عقلكِ، حب العقل أهم بكثيرٍ وأعمق أيضًا، يثبت فيه مرّةً أنه لا يخافُ عقلك لأنه قوي، ومرة أنه أرفع من حوارات الجسد.
لستُ مذنبة أن الرجل في مجتمعنا تربى على شوكة الكلمة الأخيرة، عدم المجادلة، أن معنى رجولته الطاعة التامة، والصوت الأعلى، والأمر المطلق، ولستُ مذنبة أن أغلب نسائنا تربَّينَ على الصمت والسماع  واتخاذ الأوامر قرآنًا وتطبيقها، لستُ مذنبة أنهم يرتعشون من مفردة (حقوق المرأة)، أو امرأة قوية، ببساطة القوي لا يخاف قوية، ولكن الجبان يفعل، ولستُ مذنبة أن هذه المنظومة الفاشلة مازالت تزحف بيننا، وما زالت تقبعُ في رؤوسهم/رؤوسهن، لستُ مذنبة أنني أؤمن بحق النقاش والرد والرفض و (لهن مثل الذي عليهن)، لستُ مذنبة أنَّ هناك من تقَعْنَ في فخّ غسل المخ، والإيمان بالجنة الرغدة في بيتٍ، زوجٍ وأطفال، وهناكُ زوج رائعٌ سيعودُ آخر النهار ليحمل عنها القليل من العبء ويغرقها في حياةِ الأحلام الوردية، ويكون أيضا مصباح علاء الدين ويحوّلُ أمنياتها الوردية إلى واقعٍ معاش، لستُ مذنبة أنني مؤمنة بالعمل والمعرفة، أنهما وحدهما يُحققان كل هذا وليس الرجل، لستُ مذنبة أنه يصابُ بالهرش لو علمَ أنها تعمل في منصبٍ أحسن منه أو تحصل على راتبٍ ومكافأة بخلافه، لستُ المسؤولة عن هذه الأمراض التي وضعوا بذورها الأولى-هم- بينما عليَّ أنا التهامها واحدة واحدة.
لستُ مذنبة أنني ولدتُ هكذا، وسأبقى هكذا.

Commentaires

  1. نشبعك كليك با تتفكري red pen haha
    تتاجرين بإسم الله

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

وكانت جواري عمر في دار الخلافة عاريات !

من هي المرأة الديوثة

الرجلة عند الانوش المدعوش الجزائري